هذا الكتاب ملكية عامة
نُشر هذا الكتاب برخصة الملكية العامة او بموافقة المؤلف- لك حقوق ملكية! اتصال بنا
شرح المفصَّل”:
تقدّم القول في الفصل السابق أنّ نحويين عديدين تناولوا “المفصّل” شرحًا، ونظمًا،
واختصارًا، وردًّا عليه وتصحيحًا لأخطائه، لكنّ شرح ابن يعيش انفرد بالشهرة بين العلماء، وذلك أن الشارح أقبل على المفصَّل، كما يقول في مقدمة شرحه، وهو في سن السبعين، بعد أن نضج علمًا، وترسّخت قدمه في النحو والصرف، وأصبح خبيرًا بمذاهب البصريين والكوفيين والبغداديين.
أمّا سبب تخصيصه كتاب “المفصّل” بالشرح دون غيره من كتب النحاة، فلأنّ هذا الكتاب، كما يذكر في مقدمة شرحه، جليل القدر نابه الذكر إلَّا أن فيه ألفاظًا أشكلت، وعبارات مجملة، ومعانٍ خالية من الدليل. قال: “لما كان الكتاب الموسوم بـ”المفصّل” من تأليف الإِمام العلّامة أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشريّ، رحمه الله، جليلاً قدره، نابهًا ذكرُه، قد جمعت أصولَ هذا العلم فصولُه، وأوجز لفظه، فتيسَّر على الطالب تحصيله، إلَّا أنّه مشتمل على ضروب، منها أغربت عبارته فأشكل، ولفظ تتجاذبه معانٍ، فهو مجمل. ومنها ما هو بادٍ للأفهام، إلَّا أنّه خالٍ من الدليل مهمل، استخرت الله تعالى في إملاء كتاب أشرح فيه مشكله، وأوضح مجمله، وأُتبع كلّ حكم منه حججَه وعِلَله. ولا أَدّعي أنه، رحمه الله، أحل بذلك تقصيرًا عما أتيت به في هذا الكتاب، إذ من المعلوم أن من كان قادرًا على بلاغة الإيجاز كان قادرًا على بلاغة الإطناب”.
ويتلخص منهج ابن يعيش في شرحه في أنه تابعَ الزمخشريّ في مفصَّله فصلاً فصلاً، وفقرةً فقرةً، وعبارةً عبارة من أوّل الكتاب إلى آخره. فكان يُثبت كلام الزمخشريّ بحسب تقسيمات الزمخشريّ نفسه لهذا الكلام، ثم يُتبعه بالشرح والتفصيل، والنقد، متوسِّعًا في شرحه، عارضًا لآراء النحويين المختلفة في المسألة الواحدة، حتى جاء شرحه أشبه بدائرة معارف لآراء النحاة على اختلاف مدارسهم، “حتى كأنّه لم يترك مصنفًا لعَلَم من أعلامهم إلَّا استوعبه, وتمثَّل كل ما فيه من آراءه تمثُّلاً منقطع النظير” (١).
والقارئ لهذا الشرح يظهر له منذ الصفحات الأولى شدّة حماسة ابن يعيش للبصريين، وانتصاره لهم، وهو يسمّيهم “أصحابه” (٢)، موهنًا آراء الكوفيين ومن وافقهم، مكثِرًا من الاستشهاد بسيبويه حتى كاد أن يستنفد آراء. وهو دائم التأييد له، فإن وجد أنْ رأيًا من آرائه سيبويه لا يوافقه، وهذا نادر، ذهب إلى أن هذا الرأي هو”الظاهر” من كلام سيبويه (٣). وقد انتصر لرأي البصريين في أن “الاسم” مشتق من “السمو” لا من “السمة” كما قال الكوفيّون (٤)، وفي أن فاعل “ضربني” في قولك: “ضربني وضربت
ولد ابن يعيش في الثالث من رمضان عام ٥٥٣ هـ (= ٢٨ سبتمبر سنة ١١٥٨ م).
رحل من حلب في صدر عمره قاصدًا بغداد ليحضر مجلس أبي البركات عبد الرحمن بن محمَّد، المعروف بابن الأنباري، ومجالس غيره من علماء بغداد آنذاك. فلما وصل إلى الموصل، بلغه خبر وفاته، فأقام بالموصل مدّة مديدة يدرس الحديث، ثمّ عاد إلى حلب، ووقف حياته على التدريس، فانتفع به خلق كثير من أهل حلب وغيرها، حتى إن الرؤساء الذين كانوا بحلب ذلك الزمان كانوا تلامذته.
توفي ابن يعيش في حلب في الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة ٦٤٣ هـ (= ١٨ أكتوبر سنة ١٢٤٥ م)، ودفن فيها في المقام المنسوب إلى إبراهيم الخليل.
[٣ – أساتذته]
قرأ ابن يعيش النحو على أبي السخاء فتيان الحلبي، وأبي العباس المغربي النيروزيّ، وسمع الحديث على أبي الفضل عبد الله بن أحمد الخطيب الطوسي بالموصل، وعلى أبي محمَّد عبد الله بن عمر بن سويدة التكريتي، وبحلب على أبي الفرج يحيى بن محمود الثقفي، والقاضي أبي الحسن أحمد بن محمَّد بن نصر بن صغير القيسراني، وبدمشق على تاج الدين الكندي (١).
[٤ – مؤلفاته]
يبدو أنّ ابن يعيش لم يكن غزير الإنتاج، إذ لم تذكر لنا مصادر ترجمته سوى المؤلفات التالية:
١ – شرح المفصّل.
٢ – شرح التصريف الملوكي (٢).
٣ – أجوبة على مسائل نحوية لأبي نصر الدمشقي (٣)
٤ – تفسير المنتهى من بيان إعراب القرآن (٤).
٥ – كتاب في القراءات (٥).
[٥ – أقوال العلماء فيه]
لم يذكره الذين ترجموا له إلَّا بالمدح والثناء على علمه وفضله. قال عنه الوزير جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطيّ (ت ١٤٦ هـ / ١٢٤٨ م)، وكان معاصره وساكنًا في جواره: “لو أنصفتُه ما أجريتُه في حلبة النحاة، ولو أنّ النحو قنطرة الآداب، لنزَّهته عن مشاركة من قصَدَه ونحّاه، فإنّني إنْ وصفتُه بالنحو فهو أديب، أو بالبلاغة فهو خطيب، أو بالعدالة فهو أبو ذرّها، أو بالمعاني فهو مكنون دُرّها، أو بجميع الفضائل فهو حالب دَرِّها. إمام إذا قاسَ قطع، وإذا تربَّعَ رَبْع الأدب بَرعَ، وإن سُئِل بَيَّن المُشكِل، وإن اسْتُفسِر فَصَّل المُجْمل. تصدَّر في زاوية أبي علي [الفارسيّ]، وجَلَّى للطلبة غامضَ كلامه، وما تعبيرُ كلِّ متصدِّر جليّ” (١). وقال معاصره ابن خلِّكان (أبو العباس شمس الدين أحمد محمَّد (ت ٦٨١ هـ / ١٢٨٢ م): ” … ولما وصلت إلى حلب لأجل الاشتغال بالعلم الشريف، وكان دخولي إليها يوم الثلاثاء مستهلّ ذي القعدة سنة ست وعشرين وستمائة (=٢٠ أيلول سنة ١٢٢٩ م)، وهي إذ ذاك أم البلاد، مشحونة بالعلماء والمشتغلين. وكان الشيخ موفّق الدين المذكور شيخ الجماعة في الأدب، لم يكن فيهم مثله، فشرعت في القراءة عليه. وكان يُقرىء بجامعها في المقصورة الشماليّة بعد العصر، وبين الصلاتين بالمدرسة الرواحية، وكان عنده جماعة قد تنبّهوا وتميَّزوا به، وهم ملازمون مجلسه لا يفارقونه في وقت الإقراء. وابتدأت بكتاب “اللمع” لابن جني، فقرأت عليه معظمه مع سماعي لدروس الجماعة الحاضرين، وذلك في أواخر سنة سبع وعشرين، وما أتممته إلَّا على غيره لعذر اقتضى ذلك.
وكان حسن التفهيم، لطيف الكلام، طويل الروح على المبتدىء والمنتهي. وكان خفيف الروح، ظريف الشمائل، كثير المجون، مع سكينة ووقار” (٢).
وقال عنه السيوطي (جمال الدين عبد الرحمن بن الكمال (ت ٩١١ هـ / ١٥٠٥ م): “وكان من بار أئمّة العربية، ماهرًا في النحو والتصنيف. قدِمَ دمشق، وجالس الكنديّ، وتصدّر بحلَب للإقراء زمانًا، وطال عمرُه، وشاع ذكرُه، وغالبَ فضلاء حلب تلامذتُه” (٣).
٦ – كتابه “شرح المفصَّل”:
تقدّم القول ف
يمكنك أيضا تحميل كتب عربي أخرى من المكتبة العربية للكتب مثل:
نرجو الدعاء لصاحب هذا العمل والمقيمين عليه
اللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ال وصحبه اجمعين
هذا الكتاب ملكية عامة
نُشر هذا الكتاب برخصة الملكية العامة او بموافقة المؤلف- لك حقوق ملكية! اتصال بنا