هذا الكتاب ملكية عامة
نُشر هذا الكتاب برخصة الملكية العامة او بموافقة المؤلف- لك حقوق ملكية! اتصال بنا
نال كتاب الطبري شهرة لم ينلها كتاب في بابته، وحمل هذا الكتاب مشرقاً ومغرباً، وقرأه الجم الغفير من العلماء في وقته، وكُلُّ فضَّلَهُ وقدّمه، حتى قال أبو حامد الإسفراييني : لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيراً ، ونظر فيه إمام الأئمة ابن خزيمة من أوله إلى آخره فلم يجد أعلم من مؤلفه ، ووصفه الخطيب بأنه لم يصنف أحد مثله. وقال أبو محمد الفرغاني : تم من كتب محمد بن جرير كتاب التفسير الذي لو ادعى عالم أن يصنف منه عشرة كتب كل كتاب منها يحتوي على علم مفرد مستقصى لفَعَلَ (۳) (۲۹) من أجل ذلك اعتنى به الناس عناية شديدة، فاختصره قديماً غير واحد
وكان في قدرة الطبري أن يؤلف كتاباً ضخماً جداً في التفسير لما حصل عليه من المعارف المتنوعة المكوّنة له فيروى عنه أنه قال لأصحابه : اتنشطون لتفسير القرآن ؟ قالوا : كم يكون قدره ؟ فقال : ثلاثون ألف ورقة . فقالوا : هذا مما الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. وذكر أبو محمد عبد العزيز بن محمد الطبري أنه رأى نسخة منه ببغداد تشتمل على أربعة آلاف تفنى ورقة .
أبو جعفر الطبري:
ولد أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري في أمل طبرستان أواخر سنة ٢٢٤هـ أو أوائل سنة ٢٢٥هـ ، وحفظ القرآن منذ سن مبكرة واعتنى به والده عناية شديدة، فَجَدَّ في إكمال تعليمه وسمح له في أسفاره وأعانه عليها، فكان طول حياته يمده بالشيء بعد الشيء، فيقتات به.
وكانت بغداد آنذاك عاصمة الدنيا العربية الإسلامية ومعدن العلم والعلماء، يتجه إليها طلبة العلم من كل حدب وصوب، ينهلون من مناهلها العذبة، ولا يمكن لأحد أن علماً يدعي من غير شهادة شيوخها وأساتيذها، لذلك كان من الطبيعي أن يشد أبو جعفر الرحال إليها بعيد الأربعين ومئتين، وكان في نفسه أن. يسمع من إمام الأئمة آنذاك، أحمد بن حنبل، ولكن الحظ لم يسعفه فدخل بغداد بعيد وفاته بقليل، لكنه أقام بها وكتب عن شيوخها، من مثل محمد بن عبد الملك بن أبي الشَّوارب وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأحمد بن منيع البغوي، ومحمد بن حميد الرازي ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وعمر بن علي الفلاس وسفيان بن وكيع وغيرهم من علماء الحديث والفقه والتفسير والعربية والنحو، وأكثر عن شيوخه البغداديين حتى كانوا أوسع من أخذ عنهم. ثم انحدر إلى البصرة فسمع من شيوخها مثل محمد بن موسى الحرشي ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وبشر بن معاذ، ومحمد بن بشار بندار، ومحمد بن المثنى العنزي وغيرهم وكتب في طريقه عن شيوخه الواسطيين . العلاء ثم رحل إلى الكوفة فكتب فيها عن أبي كريب محمد بن الهمداني، وهناد بن السري وإسماعيل بن موسى السدي وأضرابهم. وعاد إلى بغداد فكتب بها ولزم المقام بها وتفقه بها على مذهب الإمام الشافعي، ومكث فيها طويلاً حتى وفاته – فيما عدا مدة رحل منها إلى بعض البلدان من بينها رحلة إلى مصر والشام بين (٣٥٣ – ٢٥٦) هـ، وعودة قصيرة إلى طبرستان سنة ٢٩٠هـ . أخذ الطبري بمصر عن الربيع بن سليمان المرادي، وإسماعيل بن إبراهيم المزني، ومحمد بن عبدالله بن عبد الحكم، وابن وهب، ويونس بن عبد الأعلى الصدفي وغيرهم، وكان يرافقه في هذه الرحلة ثلاثة من علماء العصر هم: إمام الأئمة ابن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن هارون الروياني . وفي مدينة السلام بغداد اكتملت علوم الطبري، فصار أحد علمائها الأعلام في القرآن والفقه والحديث ،والتاريخ واللغة والنحو، والشعر، وبز أقرانه في هذه العلوم .وفي مدينة السلام بغداد كتب كتبه النافعة، ولاسيما كتبه : التفسير والتاريخ، وتهذيب الآثار ، فهو بغدادي ،الثقافة والفكر والتأليف، بقي فيها الى حين وفاته، فظهر أثر الثقافة البغدادية في تكوين فكره السلفي الأصيل ورده على أهل البدع والضلالات، وتصديه للجهمية والقدرية والمعتزلة في قولهم بقدرة العباد، وخلق القرآن وإبطال رؤية الله تعالى يوم القيامة، وتخليد أهل الكبائر في النار، وإبطال شفاعة رسول الله وإيمانه – رحمه الله – أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن جميع ما في العالم لا يكون إلا بمشيئة الله تعالى وهي الآراء التي شحن بها كتبه دفاعاً . العقيدة الإسلامية ،الصحيحة وطريقة الصحابة والتابعين في فهم الكتاب عن والسنة . وفاته : قال أحمد بن كامل القاضي : توفي أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في وقت المغرب من عشية الأحد ليومين بقيا من شوّال سنة عشر وثلاث مئة . ودفن وقد أضحى النهار من يوم الإثنين غد ذلك اليوم في داره برحبة يعقوب بمدينة السلام بغداد واجتمع لتشييعه من لا يحصيهم عدداً إلا الله، وصلي على قبره عدة شهور ليلاً ونهاراً ورثاه خَلْقٌ كثير من أهل الدين والأدب. وكان ابن كامل القاضي ممن حضر ،وفاته وقد قيل لأبي جعفر الطبري قبل خروج روحه : يا أبا جعفر أنتَ الحجةُ فيما بيننا وبين الله فيما ندين به، فهل من شيء توصينا به من أمر ديننا وبينة لنا نرجو بها السلامة في معادنا؟ فقال : الذي أدينُ الله به وأوصيكم هو ما ثبت في كتبي فاعملوا به وعليه. وأكثر من التشهد وذكر الله عز وجل، ومسح يده على وجهه، وغمض بصره بيده، وبسطها وقد فارقت روحه الدنيا. ووصفه أصحابه بأنه كان أسمر الى الأدمة ،أعين، نحيف الجسم، مديد القامة – رحمه الله تعالى ..
كان الطبري أحد أبرز العلّامات في عصره، وقد حضر مجالسه العديد من أبرز علماء عصره وتتلمذوا على يده، ومن هؤلاء أحمد بن كامل القاضي، ومحمد بن عبد الله الشافعي، ومخلد بن جعفر، وأحمد بن عبد الله بن الحسين الجُبْني الكبائي، وأحمد بن موسى بن العباس التميمي، وعبد الله بن أحمد الفرغاني، وعبد الواحد بن عمر بن محمد أبو طاهر البغدادي البزاز، ومحمد بن أحمد بن عمر أبو بكر الضرير الرملي، ومحمد بن محمد بن فيروز، وتعلم على يده كثير غيرهم.[46]
توفي الطبري وقت المغرب عشية يوم الأحد 26 من شهر شوال سنة 310 هـ، الموافقة لسنة 923م كما نصّت المصادر التاريخيّة[64] وعاش الطبري راهبًا في محراب العلم والعمل حتى وفاته.
قال ابن كثير: توفي الطبري عن عمر ناهز الثمانين بخمس سنين، وفي شعر رأسه ولحيته سواد كثير، ودفن في داره لان بعض عوام الحنابلة ورعاعهم منعوا دفنه نهارا ونسبوه إلى الرفض، ومن الجهلة من رماه بالالحاد، وحاشاه من ذلك كله. بل كان أحد أئمة الإسلام علما وعملا بكتاب الله وسنة رسوله، وإنما تقلدوا ذلك عن أبي بكر محمد بن داود الظاهري، حيث كان يتكلم فيه ويرميه بالعظائم وبالرفض.[65] قال الخطيب البغدادي وابن عساكر:”اجتمع في جنازته من لا يحصيهم عددًا إلا الله، وصُلِّي على قبره عدة شهور ليلاً ونهارًا، [66] ودُفِن في أضحى النهار من يوم الاثنين غد ذلك اليوم في داره الكائنة برحبة يعقوب ببغداد.[67] ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب”.[68]
وعندما سمع أبو بكر بن دريد بوفاته رثاه بقصيدة أولها:
وكذلك عندما سمع أبو سعيد ابن الأعرابي بوفاته رثاه بأبيات منها:
وحاليا (رحبة يعقوب) التي دفن فيها هي حديقة تسمى (حديقة الرحبي) بعد أن هدمت وأزيلت المساكن القديمة حولها وتوسعت الحديقة، وجدد مبنى قبر الإمام الطبري، والقبر الآن ظاهر للعيان موجود في وسط الحديقة في شارع عشرين في الأعظمية في بغداد.
يمكنك أيضا تحميل كتب عربي أخرى من المكتبة العربية للكتب مثل:
هذا الكتاب ملكية عامة
نُشر هذا الكتاب برخصة الملكية العامة او بموافقة المؤلف- لك حقوق ملكية! اتصال بنا