قصة اهل الكهف كما وردت عن امير المؤمنين عليه السلام
لمشاهدة قصة اهل الكهف بالفيديو في اخر المقالة
القصص في القرآن الكريم اهتمَّ القرآنُ الكريمُ بترتيب أحداثِ الأمم السَّابقةِ وتبيانها لأمَّةِ الإسلامِ الخالِدةِ، وليسَ هذا الاهتمامُ بمحلٍّ من الزِّيادةِ أو الرِّوايةِ والسّردِ العشوائيّ؛ إنَّما يَهدِفُ لتتبُّعِ القضايا ذاتِ العلاقةِ بالدَّعوةِ والمواعِظِ والإقناعِ والتّأثيرِ والعِبَر، فضلاً عن تبيانِ الحقائِقِ المُتعلِّقةِ بالتَّاريخِ الدِّيني للأممِ والرُّسُلِ وحفظِها من الدَّسائِسِ والشَّائباتِ.
في عام 106 بعد ميلاد السيد المسيح عليه السلام .. اجتاحت الجيوش الرومانية بلاد الأردن، حيث تنهض مملكة الأنباط.
و كان الأمبراطور الروماني « تراجان » وثنيا متعصبا، فراح يطارد المؤمنين خاصة أتباع السيد المسيح عليه السلام.
وقد كانت سوريا و فلسطين والأردن قبل هذه الحملة العسكرية تتمتع بنوع من الحكم الذاتي، وكانت العاصمة « روما » تكتفي من تلك البلدان بدفع الضرائب. ويعود سبب ذلك الى ضآلة القوات الرومانية فيها.
وهكذا جاءت الحملة العسكرية ليستكمل الرومان احتلالهم العسكري لتلك الأقاليم، وإخضاعها لحكم روما المباشر.
وفي سنة 112 ميلادية أصدر الأمبراطور تراجان مرسوما يقضي بأن كل عيسوي يرفض عبادة الآلهة سوف يحاكم كخائن للدولة، وانه سيعرض نفسه للموت.
في ذلك الزمان كانت عمان تدعى « فيلادلفيا »، وكانت مدينة جميلة، ولكن التماثيل التي كانت تزين المدينة، لم تكن للزينة فقط، بل كانت تعبد كآلهة من دون الله سبحانه.
فهناك تمثال ل«أثينا» إلهة الحرب؛ حيث تمسك بحربة في يدها اليمنى و تحتمي بترس في يدها اليسرى. وهناك أيضا تمثال « تايكي » أو إلهة الحظ وحارسة المدينة! وهو الآن في متحف الآثار في عمان!
والى الشرق والجنوب الشرقي من عمان كانت تنهض « فيلادلفيا »، وقد وصلت آنذاك الى أوج تمدنها المادي. أما المؤمنون فقد كانوا يعيشون خائفين، خاصة بعد أن احتلت القوات الرومانية في عهد « تراجان » البلاد، و فرضت عليها حكما مباشرا.
أصدر تراجان في سنة 112م مرسومه باعتبار جميع النصارى خونة للدولة! وكان المسيحي يخير بين عبادة الآلهة أو الموت!
وفي تلك المدينة عاش فتية سبعة، ذكر التاريخ اسماءهم كما يلي:
1 ماكس ميليانوس.
2 امليخوس.
3 موتيانوس.
4 دانيوس.
5 يانيوس.
6 اكسا كدثو نيانوس.
7 انتونيوس.
عاش أولئك الفتية المؤمنون في حيرة: ماذا يفعلون؟ ماذا سيكون موقفهم؟
لم يكن أمامهم سوى طريقين: الموت أو الكفر.
وفي تلك اللحظات المصيرية.. اتخذوا قرارا مصيريا هو الفرار من المدينة، ولكن كيف؟
في فجر ذلك اليوم.. وفيما كانت لجان التفتيش تطارد المؤمنين.. رأى أحد الحراس سبعة رجال ومعهم كلب يغادرون المدينة.
سأل الحارس:
الى أين ؟
أجاب أحدهم:
إننا نقوم برحلة للصيد.
قال الحارس:
حسنا، ولكن يجب أن تعودوا للاشتراك في الاحتفال الرسمي.
إلى الكهف
اتجه الفتيان السبعة ومعهم كلبهم شرقا الى كهف على بعد كيلومترات، بالقرب من قرية تدعى « الرقيم ».
وصل الفتية الى المنطقة الجبلية، وراحوا يتسلقون المرتفعات في طريقهم الى كهف كانوا قد اختاروه من قبل.
يقع الكهف في السفح الجنوبي من الجبل، كان كهفا فريدا في موقعه؛ فهو معتدل الجو بسب وجود فتحتين في جانبيه الأيمن والأيسر، أما بابه فهو يقابل القطب الجنوبي للأرض. وفي داخل الكهف فجوة تبلغ مساحتها (5/7) متر، وهي المكان الذي قرر الفتية الاستفادة منه في اختبائهم.
كانت فكرة الفتية هي اعتزال الناس والاختباء في هذا المكان، وانتظار رحمة الله.
لم يكن هناك من أمل في الانتصار على الرومان الوثنيين.
كما أنهم يرفضون بشدة عبادة الأصنام؛ وعقيدتهم أن الله هو رب السماوات والأرض، وأن عبادة تلك الآلهة هو افتراء على أكبر حقيقة في الوجود.
كان الناس في ذلك الزمان لا يعتقدون بيوم القيامة؛ كانوا يتصورون أن روح الانسان عندما يموت تنتقل الى إنسان آخر أو تحل في حيوان!
وصل الفتية الى الكهف.. متعبين، وكانوا قلقين من أن يطاردهم الجنود الرومان ويكتشفوا مخبأهم.
كانوا متعبين لأنهم لم يناموا في الليلة السابقة؛ لهذا شعروا بالنعاس يداعب أجفانهم فناموا وهم يحلمون بغد أفضل.
الله سبحانه ومن أجل أن يجسد قدرته في بعث الموتى، ومن أجل أن يعرف الناس قدرته، وأنه هو وحده مصدر العلم والقدرة ألقى عليهم نوما ثقيلا.
كم من الوقت ظلوا نائمين؟ لقد استمر نومهم أياما طويلة.. وكانت الشمس تشرق وتغيب وهم نائمون.
كانت مفارز الجنود تبحث عنهم في كل مكان؛ ولكن دون جدوى.
أصبحوا حديث أهل البلاد، لقد اختفى الفتية السبعة في رحلة للصيد ولم يعثر عليهم أحد!
وهكذا تمر الأعوام تلو الأعوام، ولا أحد يعرف ما يجرى في ذلك الكهف.
الكلب باسط ذراعيه في باب الكهف، وقد استسلم لنوم ثقيل طويل.
كان الهواء معتدلا في داخل الكهف، لأن بابه كان يواجه القطب الجنوبي، كما أن وجود فتحتين على جانبيه قد مكن لنور الشمس من إلقاء أشعة الصباح داخل الكهف وكذلك عند الغروب.
كانوا نائمين لا يعلمون بما يجري.. لقد مرت عشرات السنين وهم نائمون.
لو قدر لراع أن يعثر على الكهف أو قدر لمسافر أن يأوي اليه عند هطول المطر، فإنه سوف يهرب وهو يرى منظرا مخيفا، لماذا؟
لأنه سيرى رجالا مفتوحي الأعين يبحلقون في الفراغ، ويرى كلبا من كلاب الصيد هو الآخر جامد كالتمثال!
كانوا غارقين في نوم عميق بلا أحلام.
ولكن.. ماذا يجري خارج الكهف؟ ماذا يجري للمدن والقرى في البلاد؟
مات الأمبراطور « تراجان »، وجاء بعده أباطرة آخرون. ومات أيضا الأمبراطور « دقيانوس » الذي حكم من سنة 285 الى 305 م.
وخلال تلك الفترة سقطت « تدمر » سنة 110م، ثم استعادت هيبتها لتسقط نهائيا سنة 272م حيث قضى الرومان على « زنوبيا » وذلك بعد حروب مدمرة.
وفي سنة « 408م » اعتلى الأمبراطور « ثيودوسيوس » عرش روما، وهو الأمبراطور الذي اعتنق الدين المسيحي لتصبح أمبراطورية روما مسيحية.
وفي سنة 412م شاء الله أن تتجلى الحقيقة، وأن تظهر قدرته للناس رحمة منه.
كان قد مر على هروب الفتية السبعة ثلاثة قرون.
فماذا حصل داخل الكهف يا ترى؟
نبح الكلب « كوتميرون »، واستيقظ الفتية من أطول نوم في التاريخ.
تساءل أحدهم قائلا، وكان يظن أنهم ناموا عدة ساعات فقط:
كم نمتم من الوقت؟
كانوا ما يزالون يشعرون بالنعاس، ورأوا أن الشمس قد جنحت الى الغروب، وكانت أشعتها الذهبية تغمر جانبا صغيرا على جدار الكهف.
لهذا ظن بعضهم أنهم ناموا يوما كاملا، كانوا يظنون أنهم أمضوا الليل كله نياما دون أن يشعروا بغروب الشمس، ثم شروقها، وهاهي تغرب الآن. لذلك قالوا:
نمنا يوما أو بعض يوم!
بعضهم قالوا:
ربكم أعلم بمقدار ما لبثتم في الكهف..
الله وحده الذي يعلم كم استمر نومكم، الله وحده الذي يعلم بما هو محجوب عن النفس، فالانسان عندما ينام ينقطع عن العالم.. عن الدينا..
لو افترضنا أن إنسانا نام في أول الخريف ثم استيقظ ورأى الثلوج ورأى الأشجار بلا أوراق لا كتشف أنه نام أكثر من ثلاثة أشهر، لماذا؟ لأنه مضى فصل الخريف وهو الآن في الشتاء.
الفتية السبعة أستيقظوا ورأوا الشمس مائلة الى المغروب، لم يعرفوا ما إذا ناموا عدة ساعات فقط أم ناموا أكثر.. لأنهم لا يعرفون ما إذا كانت الشمس قد غابت ثم أشرقت في اليوم التالي وهاهي تغيب مرة أخرى أم لا!
كانوا مؤمنين حقا، لهذا قالوا: الله وحده الذي يعلم كم نمنا، كانوا يظنون أنهم ناموا يوما فقط أو بعض يوم!
المهمة الخطرة
في صباح اليوم التالي شعروا بالجوع، قال أحدهم وأخرج نقودا ذهبية:
ليذهب أحدنا بهذه النقود ويشتري لنا طعاما طيبا.. وليكن على حذر تام، حتى لا يكتشف أحد هويته.. إننا إذا وقعنا في قبضتهم فسيكون مصيرنا الموت.
قال آخر:
حقا.. لقد وضعوا حكم الرجم بالحجارة لمن يدان برفض الآلهة!
وقال آخر:
وقد يجبروننا على السجود للآلهة..
وقال آخر:
يا له من مصير بائس إذن.
في السوق
تبرع أحد الفتية بالانطلاق الى المدينة وشراء الطعام من السوق..
غادر الكهف، وانحدر من الجبل، وكان يفكر كيف يدخل المدينة وكيف سيجيب اذا سأله أحد، وماذا يقول للحراس والجنود الرومان ؟!
لم يلتفت الى التغيرات التي أحدثتها الأمطار والسيول والرياح مدة ثلاثة قرون..
كان خائفا قلقا، لأنه لم يذهب في رحلة للصيد أو النزهة عندما فرمع رفاقه الى الكهف. وها هو الآن يعود لشراء الطعام. ما يزال يشعر بالخوف.
إنه يتصور أن الأمور كما هي عليه بالأمس.. وصل الى المدينة، وبدأ يتطلع الى أسوارها ومبانيها، كان يمشي حائرا يتعجب. تصور أنه وصل الى مدينة أخرى!
لم يعترضه أحد عندما دخل المدينة، ولم يجد أثرا لتماثيل الآلهة، رأى نفسه غريبا في المدينة!
الناس ينظرون اليه ويتعجبون: إنه يرتدي زيا قديما لا يرتديه اليوم أحد!
الناس هنا يرتدون أزياء جديدة، ولم يشاهد جنودا يقمعون الناس أو يحاسبونهم على عقيدتهم!
الناس هنا يعيشون بسلام، يعملون ويزرعون، ولا يبدو عليهم الخوف أو القلق.
و مضى الفتى الى السوق.. سأل أحدهم عنه فدله عليه. و تعجب الفتى من طريقة الكلام! تغيرت لهجة الناس كثيرا.. إنهم يتحدثون بلهجة جديدة !!
أمر عجيب !!
تساءل الفتى في نفسه:
هل أخطأت الطريق ووصلت الى مدينة أخرى ؟!
الحقيقة الكبرى
انتبه الى نفسه، وفكر بأداء مهمته وهي شراء الطعام والعودة الى المخبأ في الجبل.
لهذا تظاهر بأنه يتصرف بطريقة عادية، وكأنه أحد سكان المدينة..
الناس حسبوه رجلا غريبا جاء من قرية بعيدة وسط الجبال.
بحث الفتى عن رجل طيب كان يبيع الطعام، لكنه لم يجده ووجد باعة كثيرين تلوح على وجوههم الطيبة.
اختار الفتى بعض الأطعمة المعروضة، ونقد البائع الثمن؛ وهنا حدث ما كان متوقعا!
عندما تسلم البائع النقود، تأمل فيها مدهوشا! إنها نقود تعود الى زمن الأمبراطور تراجان، وقد مضى على سكها ثلاثة قرون!
نظر البائع الى الفتى بدهشة، وفكر أنه يكون عثر على كنز، لهذا قال له:
هل عثرت على كنز ؟!
ماذا تعني ؟!
أعني هذه النقود الذهبية، إنها تعود الى ما قبل عشرات السنين.
إنها نقودي، وجئت أشتري طعاما لي.
قال البائع وهو يريه العملة المتداولة:
انظر! إننا نتعامل بهذه النقود!
نظر الفتى الى العملة المسكوكة، إنه لم يرها من قبل. قال في نفسه:
يا إلهي ماذا حصل ؟!
قال البائع:
إذا أشركتني بالكنز فلن أخبر أحدا.
أي كنز ؟! إنني لا أملك سوى هذه القطعة النقدية !
إذن سأخبر الشرطة!
وارتفع صوت البائع وهو يتعلق بثياب الفتى.
وتحلق الناس حولهما، قال الفتى وهو يتلفت:
أرجوك.. اتركني.. سوف يقتلوني اذا أمسكوا بي.. إن جنود « تراجان » لا يرحمون أحدا.
تراجان ؟!
قال الناس متعجبين. ضحك رجل وقال:
لقد مات تراجان قبل مئات السنين.. هل أنت مجنون يا فتى ؟!
سأل الفتى:
ومن يحكم الآن ؟
تيوديوس.. إنه أمبراطور طيب، وقد اعتنق دين المسيح قبل عامين أو ثلاثة.
تساءل الفتى:
تعني أنهم لم يعودوا يقتلون العيسويين ؟!
ماذا تقول ؟! لقد آمن الناس بدين الله، لقد مضى زمن الظلم والعذاب.
قال شيخ وهو يفرك جبينه:
يا إلهي! عندما كنت طفلا كانت جدتي تحدثني عن فتية خافوا على دينهم من الأمبراطور، فهربوا ولم يعثر عليهم أحد ؟!
أصيب الفتى بما يشبه الدوار.. وكاد يسقط على الأرض من هول ما يسمع.. هل يعقل أنهم ناموا كل هذه السنين، وهل يمكن أن ينام الانسان ثلاثة قرون ؟!
إنه لا يذكر شيئا.. تصور أنه نام أمس واستيقظ اليوم.
راح الفتى يفرك عينيه.. تصور نفسه في حلم..
ولكن لا.. لا، إن ما يراه حقيقة.. ولكنها حقيقة كبرى!
وصلت الأنباء المثيرة الى حاكم المدينة، كان رجلا مؤمنا، فأمر بإحضاره، واكتشف الحاكم أنه أمام حقيقة كبرى، وأن الله سبحانة أراد أن يريهم آية تدل على قدرته في بعث الموتى، وحقانية البعث والمعاد يوم يقوم الناس لرب العالمين.
طلب الحاكم من الفتى أن يرشدهم الى الكهف، وهكذا سار الفتى وخلفه الحاكم المؤمن وجنوده.
كان الفتية في الكهف خائفين، ويعيشون حالة من القلق، لقد تأخر أخوهم..
قال أحدهم:
ربما ألقي القبض عليه!
وقال آخر:
ربما تأخر في دخول المدينة.. أنتم تعرفون شدة الحراس.
وفي تلك اللحظات المثيرة؛ غادر أحدهم الكهف وراح يتسلق الجبل الى القمة؛ ومن هناك راح يراقب الطريق المؤدية الى المدينة، فرأى بعينيه ما كان يخشاه!
هاهم الجنود الرمان قادمون من بعيد..
أسرع في العودة لإخبار رفاقه، قال لهم:
لقد رأيت جنودا قادمين نحونا؛ لقد ألقي القبض عليه ودلهم علينا!
قال آخر:
لا أظن ذلك؛ لننتظر.. ربما يقصد الجنود مكانا آخر.
مرت اللحظات مثيرة سريعة. وفجأة دخل صاحبهم الفتى الكهف، وأخبرهم بالحقيقة الكبرى.. إنهم لم يناموا يوما أو بعض يوم، لقد امتد نومهم الى ثلاثة قرون، وإن الله قد جعلهم آية على قدرته، وأنه يحيي الموتى، ويعيد الأرواح الى أجسادها مرة أخرى !!
في ذلك الزمان.. كان هناك من يقول: إن الروح عندما تخرج من الجسد لا تعود اليه، ولكنها تحل في جسد آخر.
أما المؤمنون فكانوا يعتقدون بأن الله قادر على كل شيء، وهو الذي خلق الإنسان، وهو الذي يتوفى روحه ثم يعيدها اليه يوم القيامة.
كان الفتى قد طلب من الحاكم أن يذهب بمفرده، لأن أصحابه يخافون من الظلم وهم لا يعرفون ما حصل لهم.
عندما اكتشف الفتية هذه الحقيقة بكوا خشية لله وشوقا إليه، وتضرعوا إليه أن يقبض أرواحهم، ذلك أنهم ينتمون الى زمن مضى.. إلى ما قبل ثلاثة قرون.
واستجاب الله دعاءهم، فألقى عليهم النعاس، وحلقت أرواحهم بعيدا الى عالم مفعم بالخير والسلام.
كان الحاكم ينتظر، ولكن دون جدوى؛ لهذا قرر الذهاب بنفسه الى الكهف. وعندما دخل، ومعه رجاله رأى منظرا عجيبا!!
كانوا سبعة فتيان ومعهم كلبهم وقد ماتوا منذ لحظات.. ما تزال أجسادهم دافئة.
وسجد الحاكم لله سبحانه، وسجد معه المؤمنون..
في ذلك الزمان كان الناس يتجادلون حول الروح، بعضهم يقول إنها تعود الى الجسد مرة أخرى يوم القيامة، وبعضهم يقول إنها تحل في جسد آخر.
ولكن عندما رأوا بأعينهم أصحاب الكهف، وكيف عادت لهم الروح أيقنوا بقدرة الله.
أما المشركون فكانوا في شك، لهذا قالوا:
أبنوا عليهم بنيانا.. ربهم أعلم بهم!
ولكن المؤمنين قالوا:
لنتخذن عليهم مسجدا.. ونتبرك بهذا المكان الذي أظهر الله فيه قدرته.
وانتصر المؤمنون، وبنوا في ذلك المكان مسجدا يعبد فيه الله وحده.
وازدادوا تسعا
واليوم عندما يزور المرء عمان عاصمة الأردن يمكنه التوجه الى الجنوب الشرقي منها، وعلى مسافة ثمانية كيلومترات بين قريتي « الرقيم » و « أبو علندا »، حيث يوجد كهف أصحاب الكهف.. سيرى عدة قبور على هيئة النواويس البيزنطية والتي تبلغ سبعة نواويس إضافة الى ناووس صغير لعله مدفن كلب أصحاب الكهف.
فوائد وعبر من قصة أصحاب الكهف والرقيم.
ـ الفائدة الأولى : أن قصة أهل الكهف من آيات الله .
قال الله تعالى أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا” وليس المراد بهذا النفي عن أن تكون قصة أصحاب الكهف من العجائب، بل هي من آيات الله العجيبة، وإنما المراد أن جنسها كثير جدا، فالوقوف معها وحدها في مقام العجب والاستغراب نقص من العلم والعقل، بل وظيفة المؤمن التفكر في جميع آيات الله التي دعا الله فيها العباد للتفكر فيها فإنها مفتاح الإيمان وطريق العلم والإيقان (1) .
ـ الفائدة الثانية : أن قصة أصحاب الكهف من دلائل البعث والنشور .
قال ابن كثير رحمه الله :” بعث الله أهل الكهف حجة ودلا على البعث، إذ كان فيهم من يشك في البعث ومنهم من يقول تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد”(2)، ومنها إعلام الناس أن البعث حق، وأن الساعة حق، لدلالة أصحاب الكهف على ذلك(3) ، قال ابن عاشور رحمه الله ” من فوائد ذكر قصة أصحاب الكهف أن مما صرف المشركين عن الإيمان إحالتهم الإحياء بعد الموت، فكان ذكر أهل الكهف وبعثهم بعد خمودهم سنين طويلة مثالا لإمكان البعث(4).
ـ الفائدة الثالثة : أن الله قادر على كل شيء .
وأنه لا يعجزه شيء، قال الله تعالى :” أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ” قال عطاء : قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك، وقد اختلف السلف في تفسير الرقيم ورجح ابن كثير أنه الكتاب، كتاب مرقوم، وهو ما اختاره ابن جرير رحمه الله ابن كثير والشنقيطي وابن عاشور وابن عثيمين رحمهم الله(5) وقال السعدي :” الرقيم أي الكتاب الذي قد رقمت فيه أسماؤهم وقصتهم ” (445).
ـ الفائدة الرابعة: زيادة الإيمان ونقصانه .
استدل العلماء بقوله تعالى ” وزدناهم هدى ” كالبخاري وغيره من الأئمة على زيادة الإيمان وتفاضله وأنه يزيد وينقص(6).
ـ الفائدة الخامسة : الطاعة سبب لزيادة الإيمان .
من آمن بربه وأطاعه زاده ربه هدى ” وزدناهم هدى “، لأن الطاعة سبب للمزيد من الهدى والإيمان وهذا المفهوم من الآية الكريمة جاء مبينا في مواضع أخر كقوله تعالى :” والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم “، و من كان في طاعة ربه عز وجل أنه تعالى يقوي قلبه ويثبته على تحمل الشدائد والصبر الجميل(7).
ـ الفائدة السادسة : من أعظم الجور والتعدي الشرك بالله .
من أشرك مع خالق السماوات والأرض معبودا آخر فقد جاء بأمر شطط، قال تعالى ” لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا “( أصل مادة الشطط المجاوزة في الحد) بعيد عن الحق والصواب وفي غاية الجور والتعدي لأن الذي يستحق العبادة هو الذي يبرز الخلائق من العدم إلى الوجود(8).
ـ الفائدة السابعة :الرد على القدرية.
قال الشنقيطي رحمه الله : يؤخذ من هذه الآية ” من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ” وأمثالها في القرآن بطلان مذهب القدرية: أن العبد مستقل بعمله من خير وشر، وأن ذلك ليس بمشيئة الله بل بمشيئة العبد ، سبحانه جل وعلا عن أن يقع في ملكه شيء بدون مشيئته وتعالى عن ذلك علوا كبيرا(9) .
ـ الفائدة الثامنة : اتخاذ القبور في المساجد ليس سبيل الرشاد .
فجعل اتخاذ القبور على المساجد من فعل أهل الغلبة على الأمور، وذلك يشعر بأنه مستنده القهر والغلبة و اتباع الهوى، وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المتبعين لما أنزل الله على رسوله من الهدى (10) .
ـ الفائدة الأولى : الشباب أهدى للاستقامة من غيرهم .
قال ابن كثير رحمه الله:” ذكر الله تعالى أنهم فتية وهم شباب ” إذ أوى الفتية “، وهم أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم شبابا(11) .
ـ الفائدة الثانية : الفرار من الفتن.
المشروع عند وقوع الفتن في الناس أن يفر العبد منهم خوفا على دينه كما جاء في الحديث:” يوشك أن يكون خير مال أحدكم غنما يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن “، ففي هذا الحال تشرع العزلة عن الناس ولا تشرع فيها عداها(12) ، قال السعدي رحمه الله :” ومنها : الحث على التحرز والاستخفاء والبعد عن مواقع الفتن في الدين واستعمال الكتمان في ذلك على الإنسان وعلى إخوانه في الدين ومنها شدة رغبة هؤلاء الفتية في الدين وفرارهم من كل فتنة في دينهم وتركهم أوطانهم في الله … وفي هذه القصة دليل على أن من فر بدينه من الفتن ، سلمه الله منها وأن من حرص على العافية عافاه الله ومن آوى إلى الله آواه الله وجعله هداية لغيره ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته كان آخر أمره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب وما عند الله خير للأبرار ” (13) . تأمل أخي القارئ هذا الكلام من هذا الإمام .
ـ الفائدة الثالثة : الحث على العلم .
قال الله تعالى “قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم اعلم بما لبثتم” دلت على فوائد منها: الحث على العلم وعلى المباحثة فيه لكون الله بعثهم لأجل ذلك ، ومنها: الأدب فيمن اشتبه عليه العلم أن يرده إلى عالمه وأن يقف عند حده “(14) .
ـ الفائدة الرابعة : من لا يصلح للفتوى لا يسأل:
قال الله تعالى ” ولا تستفت فيهم منهم أحدا ” ففيها دليل على المنع من استفتاء من لا يصلح للفتوى إما لقصوره في الأمر المستفتى فيه أو لكونه لا يبالي بما تكلم به وليس عنده ورع يحجزه، وإذا نهي عن استفتاء هذا الجنس فنهيه هو عن الفتوى من باب أولى وأحرى (15).
ـ الفائدة الخامسة: لفت العقول إلى الاتعاظ بقصص الغابرين .
قال ابن عاشور : ” وفيه لفت لعقول السائلين عن الاشتغال بعجائب القصص إلى الأولى لهم، الاتعاظ بما فيها من العبر والأسباب وآثارها ولذلك ابتدئ ذكر أحوالهم بقوله ” إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا ءاتنا من لدنك رحمه وهيئ لنا من أمرنا رشدا “(16) .
ـ الفائدة السادسة: ما لم يفصل فيه الوحي مما ذكره فلا فائدة منه.
لم يخبرنا الله بمكان هذا الكهف في أي البلاد من الأرض إذا لا فائدة لنا فيه ولا مقصد شرعي، ولو كان لنا فيه مصلحة دينية لأرشدنا الله تعالى ورسوله إليه، فقد قال عليه السلام : ” ما تركت شيئا يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أعلمتكم به “(17) قال الشنقيطي رحمه الله في : ” واعلم أن أصحاب قصة الكهف وأسمائهم وفي أي محل من الأرض كانوا ، كل ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء زائد على القرآن ” (18) .
ـ الفائدة السابعة: الهداية بيد الله .
قال الشنقيطي رحمه الله :” الهدى والإضلال بيد الله سبحانه وتعالى فمن هداه فلا مضل له ومن أضله فلا هادي له ” من يهدي الله فهو المهتدى ومن يضلل فلن تجد له وليل مرشدا ” (19) .
ـ الفائدة الثامنة: رد العلم إلى الله في أمور الغيب .
الإرشاد إلى أن الأحسن في مقام الكلام في الغيبيات ( قل ربي أعلم بعدتهم) رد العلم إلى الله إذ لا احتياج إلى الخوض في مثل ذلك بلا علم لكن إذا اطلعنا على أمر قلنا به وإلا وقفنا (20).
ـ الفائدة التاسعة: فائدة مصاحبة الأخيار .
قال ابن كثير(21) ” ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) ، فكلب أهل الكهف أصابه بركة هؤلاء فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحالة وصار له ذكر وخبر وشان”، قال أبو الفضل الجوهري:” إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم، كلب أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله في محكم تنزيله(22). ويفهم من ذلك أن صحبة الأشرار فيها ضرر عظيم (23) .
ـ الفائدة الأولى: صحة الوكالة وجوازها .
قال ابن العربي رحمه الله :”هذا يدل على صحة الوكالة، وهو عقد نيابة أذن الله فيه للحاجة وقيام المصلحة إذ يعجزكل أحد عن تناول أموره إلا بمعونة من غيره “، وقال : ” في الآية نكتة؛ وهي أن الوكالة فيها إنما كانت مع التقية وخوف أن يشعر بهم أحد لما كانوا يخافون على أنفسهم منهم وأن وجواز توكيل ذي العذر متفق عليه، فأما من لا عذر له فأكثر العلماء على جوازتوكيله “(24)، والوكالة صحيحة وجائزة والدليل عليها قوله تعالى ” فابعثوا أحدكم بورقكم هذه” (25) ، وقال ابن عطية رحمه الله : “وفي هذه البعثة بالورق الوكالة وصحتها” (26).
الفائدة الثانية: العذر بالإكراه من خصائص هذه الأمة .
أخذ بعض العلماء من هذه الآية “إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ” أن العذر بالإكراه من خصائص هذه الأمة، لأنهم قالوا ” ولن تفلحوا إذن أبدا ” فدل على ذلك أن الإكراه ليس بعذر ويشهد له حديث طارق بن شهاب ويفهم من قوله عليه السلام ” تجاوز لي عن أمتي” وذكر ” ما استكرهوا عليه ” أن غير أمته من الأمم لم يتجاوز لهم عن ذلك (27).
ـ الفائدة الثالثة: الاستثناء في العزم على أمر في المستقبل .
من الأدب أنك إذا عزمت على فعل شيء في المستقبل أن ترد ذلك إلى مشيئة الله (ولا تقولن لشيئ …) وإذا نسيت ذلك فقل متى تذكرت ( واذكر ربك إذا نسيت ) فإنه من السنة (28). ولما في ذكر مشيئة الله ، من تيسير الأمر وتسهيله، وحصول البركة فيه، والاستعانة من العبد لربه، ولما كان العبد بشرا لابد أن يسهو فيترك ذكر المشيئة، أمره الله أن يستثني إذا ذكر ليحصل المطلوب ويندفع المحظور(29)، قال الشنقيطي رحمه الله :” وهو قول الجمهور وهو الأظهر من الآية مع العلم أن الاستثناء لا يصح إلا مقترنا بالمستثنى منه ، وأن الاستثناء المتأخر لا أثر له ولا تحل به اليمين ولو كان الاستثناء المتأخر يصح لما علم في الدنيا أنه تقرر عقد ولا يمين ولا غير ذلك لاحتمال طرو الاستثناء بعد ذلك”(30)، وقال ابن عطية رحمه الله : “والآية ليست في الأيمان إنما هي في سنة الاستثناء من غير اليمين … فلو كان الاستثناء يسقط الكفارة لكان أخف على الأمة ولم يكن لذكر الكفارة فائدة(31) ، قال ابن رجب رحمه الله :” فلا ينبغي أن يخبر بفعل يفعله في المستقبل إلا أن يلحقه بمشيئة الله ، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، والعبد لا يشاء إلا أن يشاء الله له ، فإذا نسي هذه المشيئة ثم تذكرها فقالها عند ذكرها ولو بعد مدة ، فقد امتثل ما أمر به، وزال عنه الإثم ، وإن كان لا يرفع ذلك عنه الكفارة ولا الحنث في يمينه “(32) .
ـ الفائدة الرابعة: النسيان من الشيطان وذكرالله يذهبه .
من نسي شيئا فليذكر الله ليتذكره، لأن النسيان من الشيطان وذكر الله يذهب الشيطان فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان فذكر الله سبابا للذكر ، وهذا وجه آخر لتفسير قوله تعالى (واذكر ربك اذا نسيت)(33) ، ويؤخذ من عموم قوله ” واذكر بك إذا نسيت ” الأمر بذكر الله عند النسيان ، فإنه يزيله ويذكر العبد ما سها عنه وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله ، أن يذكر ربه ولا يكن من الغافلين “(34).
ـ الفائدة الخامسة: التفاوت بين العد القمري والشمسي .
إن تفاوت مابين كل مئة سنة قمرية غلى الشمسية ثلاث سنين ،فلبث أهل الكهف تسع سنوات وثلاثمائة سنة بالهلالية وثلاثمائة سنة بالشمسية . ( ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا )(35) .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آليه وصحبه أجمعين .